م سعد ناجي علوان بمشاركة صورة كريم السلس.
ابن بابل والإشراق السينمائي
سعد ناجي علوان
يجتهد العديد من المهتمين بالفن السابع وعبر تجاربهم الشخصية, إعادة بعض التوازن للحياة الفنية وفرض مكانة السينما العراقية, ودور الفن بشكل عام بعدما لم يتصف تغيير (2003) إلا بعدم الاكتراث لكل ما يدرج تحت طائلة الفن.
وقد ظهر هذا الإهمال بخلو التشكيلات الإدارية المركزية والمحلية للحكومة, من أي مفصل لرعاية الفن والثقافة والعمل على تنميتهما, لتبقى حالات المشاركة الحكومية محاولات خجولة ومبتسرة. مما أرغم الفنان على البحث عن التمويل الخارجي لمشاريعه مع ما للأمر من سلبيات تقارب ايجابياته إن لم تتفوق عليها, مثل الخضوع والتقرب الى ومن التصورات الأجنبية والبعيدة بالتأكيد عن التصور الأصلي للعمل الفني.
أعتمد فيلم (ابن بابل) على حكاية تميزت بحزمة شحنات عاطفيه تؤطرها المأساة, تبدأ بعد ثلاثة أسابيع من سقوط نظام الطاغية, برحلة الجدة (أم إبراهيم) (شهرزادة حسين) وحفيدها (أحمد) (ياسر طالب) من الشمال الى مدينة الناصرية في جنوب العراق للبحث عن ابنها (إبراهيم) المفقود منذ حرب الخليج (1991) وأخبرت بأنه في سجون مدينة الناصرية، ليصل الفيلم خلال ذلك على التقرب من تحولات الوجع العراقي, والخوف الذي صار سمة تشاطر الفرد وعيه وحيثيات يومه بالكامل.
لكن هذه الثيمة العميقة جداً قدمت بطريقة خلت من العمق والشروط الجمالية والفكرة مكتفية بالخطابية والسطحية, وكأن السيد (محمد الدراجي) مخرج الفيلم, غريب عما يحدث فلم يتمكن من التعامل مع ذلك الوجع كما يستحق, واكتفى منه بصورة النواح ووثائقه المقابر الجماعية. كما لم تنفعه مشاركته في كتابة السيناريو إلى جانب (مثال غازي وجنيفر نورج) هل بتنا عاجزين حقاً عن كتابة وجعنا...؟!!
والأغرب أن يصر المخرج الدراجي وهو مصور الفيلم أيضاً على إظهار الرتابة في المجتمع والمفاصل الجغرافية الرثة, فكثيراً ما تنقلب كاميرته ترصد الأوساخ والنفايات في الشوارع و(الكراجات المحلية) والسؤال لماذا, ألا توجد زوايا وطرقاً أخرى أجمل وأفضل لإظهار الألم والوجع كما هو دونما حاجة لهذه الرثاثة, فالجمال يرافق جميع المفاهيم.
وأبعد قليلاً سنجد التصاغر من قبل الفيلم وصانعه لأجل غاية ساذجة وخاطئة, فلا يجوز أن يظهر الجندي (موسى) (بشير الماجد) شخصية مهزوزة يتذلل للسيدة (أم إبراهيم) طالباً الصفح عما فعله كجندي, وثانية نسأل لماذا؟ فهل كان الطاغية يفرق في ظلمة بين مذهب أو دين أو قومية, وما هو الغرض من جلد الذات؟ وترى من يملك المغفرة؟ ومنذ البدء أخطأ الفيلم كثيراً عندما شخص قومه أبطاله, ولو أظهرهم عراقيون فقط دون تشخيص القومية, لأتسع البعد الإنساني للشخص وللفيلم.
تنتهي رحلة (أم إبراهيم) بالفشل ولا تعثر على أي شيء يشير إلى حياة ابنها أو موته، وكأنه لم يخلق... ألم يتكرر الفعل مع الآلاف من الضحايا، ذهبوا ولم يحصلوا حتى على شاهدة قبر (مثل أخي الأكبر).
فالمقابر الجماعية عنوان كبير لتسلط واستبداد السلطة الغاشمة وليس أرشيفاًَ منظماً لضحاياها.
وفي طريق العودة، أمام جنائن بابل وفرح حفيدها (أحمد) برؤيتها وتحقق وعد جدته له، تموت الجدة (أم إبراهيم) هل هناك شيء تعود إليه، وعلى (أحمد) أن يعود لدياره بوعيه الجديد (يفترض أن يكون هذا المفهوم جزءاً من الرحلة ثيمة الفيلم).
ساعد الإنتاج المشترك للفيلم (عدة دول) الحصول على مساحة إعلانية كبيرة ومشاركات دولية ورشح وفاز بالعديد من الجوائز. وبالطبع طغى التعامل الإنساني والسياسي عند تقسيمه للفيلم، وتفضيله لاستهجان الظلم والطغيان في بلد قدر له أن يكون او يقدم كأنموذج للديمقراطية الجديدة في العالم.
ولكن هل كان ذهاب الجدة (أم إبراهيم) و(أحمد) والجندي (موسى) إلى آثار بيت (النبي إبراهيم) عليه السلام في الناصرية، لغاية فنية (لم يحدث ذلك) أم أنها دعاية استشراقية لاسيما وأن المكان على خلاف خارطة الفيلم الجغرافية.
جميل ورائع أن تعود السينما العراقية إلى مصاف الفن السابع في العالم ولكن علينا أن نتعامل بصدق وبجدية لمنحها صفتها الخاصة كسينما عراقية تتحدث عن أحلامنا وآمالنا كما يليق بها.
سعد ناجي علوان
يجتهد العديد من المهتمين بالفن السابع وعبر تجاربهم الشخصية, إعادة بعض التوازن للحياة الفنية وفرض مكانة السينما العراقية, ودور الفن بشكل عام بعدما لم يتصف تغيير (2003) إلا بعدم الاكتراث لكل ما يدرج تحت طائلة الفن.
وقد ظهر هذا الإهمال بخلو التشكيلات الإدارية المركزية والمحلية للحكومة, من أي مفصل لرعاية الفن والثقافة والعمل على تنميتهما, لتبقى حالات المشاركة الحكومية محاولات خجولة ومبتسرة. مما أرغم الفنان على البحث عن التمويل الخارجي لمشاريعه مع ما للأمر من سلبيات تقارب ايجابياته إن لم تتفوق عليها, مثل الخضوع والتقرب الى ومن التصورات الأجنبية والبعيدة بالتأكيد عن التصور الأصلي للعمل الفني.
أعتمد فيلم (ابن بابل) على حكاية تميزت بحزمة شحنات عاطفيه تؤطرها المأساة, تبدأ بعد ثلاثة أسابيع من سقوط نظام الطاغية, برحلة الجدة (أم إبراهيم) (شهرزادة حسين) وحفيدها (أحمد) (ياسر طالب) من الشمال الى مدينة الناصرية في جنوب العراق للبحث عن ابنها (إبراهيم) المفقود منذ حرب الخليج (1991) وأخبرت بأنه في سجون مدينة الناصرية، ليصل الفيلم خلال ذلك على التقرب من تحولات الوجع العراقي, والخوف الذي صار سمة تشاطر الفرد وعيه وحيثيات يومه بالكامل.
لكن هذه الثيمة العميقة جداً قدمت بطريقة خلت من العمق والشروط الجمالية والفكرة مكتفية بالخطابية والسطحية, وكأن السيد (محمد الدراجي) مخرج الفيلم, غريب عما يحدث فلم يتمكن من التعامل مع ذلك الوجع كما يستحق, واكتفى منه بصورة النواح ووثائقه المقابر الجماعية. كما لم تنفعه مشاركته في كتابة السيناريو إلى جانب (مثال غازي وجنيفر نورج) هل بتنا عاجزين حقاً عن كتابة وجعنا...؟!!
والأغرب أن يصر المخرج الدراجي وهو مصور الفيلم أيضاً على إظهار الرتابة في المجتمع والمفاصل الجغرافية الرثة, فكثيراً ما تنقلب كاميرته ترصد الأوساخ والنفايات في الشوارع و(الكراجات المحلية) والسؤال لماذا, ألا توجد زوايا وطرقاً أخرى أجمل وأفضل لإظهار الألم والوجع كما هو دونما حاجة لهذه الرثاثة, فالجمال يرافق جميع المفاهيم.
وأبعد قليلاً سنجد التصاغر من قبل الفيلم وصانعه لأجل غاية ساذجة وخاطئة, فلا يجوز أن يظهر الجندي (موسى) (بشير الماجد) شخصية مهزوزة يتذلل للسيدة (أم إبراهيم) طالباً الصفح عما فعله كجندي, وثانية نسأل لماذا؟ فهل كان الطاغية يفرق في ظلمة بين مذهب أو دين أو قومية, وما هو الغرض من جلد الذات؟ وترى من يملك المغفرة؟ ومنذ البدء أخطأ الفيلم كثيراً عندما شخص قومه أبطاله, ولو أظهرهم عراقيون فقط دون تشخيص القومية, لأتسع البعد الإنساني للشخص وللفيلم.
تنتهي رحلة (أم إبراهيم) بالفشل ولا تعثر على أي شيء يشير إلى حياة ابنها أو موته، وكأنه لم يخلق... ألم يتكرر الفعل مع الآلاف من الضحايا، ذهبوا ولم يحصلوا حتى على شاهدة قبر (مثل أخي الأكبر).
فالمقابر الجماعية عنوان كبير لتسلط واستبداد السلطة الغاشمة وليس أرشيفاًَ منظماً لضحاياها.
وفي طريق العودة، أمام جنائن بابل وفرح حفيدها (أحمد) برؤيتها وتحقق وعد جدته له، تموت الجدة (أم إبراهيم) هل هناك شيء تعود إليه، وعلى (أحمد) أن يعود لدياره بوعيه الجديد (يفترض أن يكون هذا المفهوم جزءاً من الرحلة ثيمة الفيلم).
ساعد الإنتاج المشترك للفيلم (عدة دول) الحصول على مساحة إعلانية كبيرة ومشاركات دولية ورشح وفاز بالعديد من الجوائز. وبالطبع طغى التعامل الإنساني والسياسي عند تقسيمه للفيلم، وتفضيله لاستهجان الظلم والطغيان في بلد قدر له أن يكون او يقدم كأنموذج للديمقراطية الجديدة في العالم.
ولكن هل كان ذهاب الجدة (أم إبراهيم) و(أحمد) والجندي (موسى) إلى آثار بيت (النبي إبراهيم) عليه السلام في الناصرية، لغاية فنية (لم يحدث ذلك) أم أنها دعاية استشراقية لاسيما وأن المكان على خلاف خارطة الفيلم الجغرافية.
جميل ورائع أن تعود السينما العراقية إلى مصاف الفن السابع في العالم ولكن علينا أن نتعامل بصدق وبجدية لمنحها صفتها الخاصة كسينما عراقية تتحدث عن أحلامنا وآمالنا كما يليق بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق