الاثنين، 25 نوفمبر 2013

اللطمية والهجع في الدراما العراقية _مقال للمخرج صباح رحيمة


صباح رحيمة

الهجع واللطمية والدراما العراقية

من ينكر ان الدراما العراقية احتل المكانة الاولى كما ونوعا في عالم الدراما العربية وتصدرت قائمة المهرجانات وحصدت العديد من الجوائز في حقولها المتنوعة نصا واخراجا واداءا وغير ذلك . وكلنا نتذكر كيف كانت المحلات تغلق الابواب والشوارع تلفظ ناسها في مواعيد عرض تلك الاعمال سواء كان داخل العراق او عندما يعرض من شاشات اخرى وخصوصا في منطقة الخليج العربي ولازالت تلك الاعمال خالدة نتطلع لمشاهدتها مثل ما تعرض لاول مرة مثال ذلك مسلسل تمثيليات خالد الذكر سليم البصري (تحت موس الحلاق ) و (حامض حلو ) ولا يمكن ان ننسى ( الذئب والنسروعيون المدينة) و ( الاماني الضالة ) و ( ذئاب الليل ) والقائمة تطول وهذا لاسباب يمكن ان نخوض بتفاصيلها في مناسبة اخرى او ان يكتب الاخوة المختصين فيعرضها ومناقشتها . ونتحدث ان اسباب نكوص هذا التألق والنجاح الذي رافق حياة الانجاز العراقي بعد ما اخذت عملية الاستسهال وعدم احترام الكلمة واستغفال المشاهد والسعي وراء الكسب السريع وبأقل الخسائر في شراء الكتابات المتواضعة وتسخير الامكانات الفقيرة لتقديم اعمال اوهموا اصحابها على انها دراما وبعد ما تدنت القيم وسقطت المباديء واضطر البعض تحت واحد من الاسباب والمبررات للحصول على قوته او للتواصل وراح يصفق مع تلك الجوقة التي صنعها القدر واعتلت خشبات المسارح تهز وتوز باسم ( المسرح التجاري ) جزافا والمسرح المقدس بريء من هكذا عروض لانه مدرسة الشعوب وكذلك التجارة التي هي فن ولها اخلاق وقيم عريقة لاتقبل الغش والخداع . والكلمة فيها عهد محترم يوفى بكل التزاماته . هذا ( المسرح ) الذي اعتمد على مجاميع تتفق على موضوعة وتقدم عروض هزلية غايتها اضحاك المشاهد وباي حركة او صياغة حوار ولا حاجة لموضوع معين او طرح فكرة بذاته ضاربة مقومات العرض المسرحي عرض الحائط الا القفشات والمواقف المضحكة بين طويل واهبل وقصير وارعن يستمر العرض بحوارات لاقيود عليها ولا ضابط بل هي مايقوله الطويل في حق القزم وما يرد به القزم على الطويل وحركات بهلوانية ليكون عرضا ممتدا الى وقت حسب امكانية الاخذ والعطاء وما يبتكره هؤلاء لينشأ جيل من ( الفنانين) وتصبح مدرسة تغطي كل المدارس بانتشارها لتغطي مساحة العراق الفنية وتقضي على قاعة العرض السينمائي لتتحول الى قاعة لمثل هذه العروض تدر على منتجيها الملايين بعد ان منعت البارات واغلقت ابواب الملاهي لتكون هذه العروض بديلا لرواد البارات والملاهي وكذلك ملاذا للعائلة التي تبحث عن مكان يمكن ان تجد شيء من الراحة والاسترخاء بعد ان حرمت من جميع اماكن السياحة والاستراحة وتردت حالتها النفسية من الحروب والازمات والحالة المعاشية.


وظهر موجة جديدة من العروض البديلة للسينما الا وهي عروض السكرين وبذلك صنعت لهذه العروض اعمال تناسبها بالغاية والاسلوب اعتمدت القصص الشبابية والتي تقارب موجة سينما الستينات في مصر من قصص الحب والغرام او حكايات عن الانحراف وبذلك لابد من تقديمها بالشكل الذي يتوائم واسباب وجودها ويتماشى مع اذواق مرتاديها ويتناغم وحالتهم النفسية وبالتالي فانها لابد وان تدر لبنا سائغا لمنتجيها وتواصلا مربحا لصانعيها فتدافع المنتجون بالحجز والبحث عن اماكن لعرض هذه البضاعة الجديدة التي يشترط فيها المنتج على المخرج شروطه ويلبي المخرج طموح سيده ورغبات مريديه وزبانيته في عرض مايمكن عرضه من الاكتاف والارداف وحدث بلا حرج . وجلسنا نحن الفاشلون نندب حظنا ونجتر كلامنا ونتفلسف في طرحنا لاننا لانعرف ان نركب هذه الموجة ونتخلص من عقدنا وصار لهذا الاتجاه فرسان يتبجحون ويفتخرون ويتنازعون على عرش البطولة


وعيوننا تربو الى يوم تعود الكلمة الى مكانتها محترمة , شرف , فرقان ما بين الجنة والنار كما درسنا وتعلمنا وتربينا . حتى انجرت تلك العروض وباولئك ( التجار ) المنتجين الى عروض تلفزيونية تسوق نفس الثقافة وتروج لنفس البضاعة بعد ما اقتنع الكثير بان هذه هي حقيقة الدراما وهذا هو الفن وتطورت الطرق وازدهرت لتتفتح بالاغاني والرقص وهز الكتف وتحريك الخصر رجالا ونساء وصار احسنهم فعلا اكثرهم اقبالا وصعدت اسعار البورصة لاجور هؤلاء الهزازين وصارت بالملايين لتكون هي السلعة الرائجة المطلوبة في قاعات العرض ودخلت فرق الغجر واشتهرت الفرق بشهرة الغجرية المشتركة حتى توجت الفرقة القومية للتمثيل تاريخها باسناد البطولة للغجرية المعروفة ملايين يشاركها العروض نجوم من المسرحيين وصارت حالة عادية ان يساعد هذا النجم هذه النجمة ويسنده او ينافسها بهزة من هنا ووزة من هناك . فانتشرت هذه العروض وصارت هي الفن بالنسبة للاجيال التسعينية والثمانينية الذين فتحوا اعينهم على هذا وانسحبت هذه العروض بمدرستها ( الحديثة ) هذه على الاعمال الدرامية التلفزيونية التي تحولت شيئا فشيئا الى عروض تشبه في شكلها ومضمونها تلك الموجة وتكون الاعمال التي فيها الهجع هي الناجحة الراجحة ومن ثم اللطم والصراخ والعويل هو القاسم المشترك لانتاجاتنا ولا سيما التي تعالج موضوعة ريفية وهذه سنعرج عليها في لقاء قريب وهي موطن حزننا ومقر اسفنا على عمرنا الذي امضيناه لنحصد هذا الحصاد . ولكن الامل معقود بنواصي فرسان الدراما الاشاوس الذين ما انفكو يقارعون العوز والحرمان والتهميش ليزموا ارسانها وينطلقوا من جديد صوب ركب التقدم في ركب الدراما ولابد من ان تنذوي اصوات الهجع ( وهي التراث الجميل ) وتنتهي حركات اللطمية وتعود بهية جميلة الدراما العراقية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق