الفكرة
الجزء الثالث
فالفكرة هي النواة التي تغلفها الاحداث بشخوصها المتحركة حولها .فاختيار الشخصية الرئيسية تدفع الى اختيار الشخصية المقابلة المناقضة وكل من هذه وتلك لها من يؤيدها او يقف الى جانبها لتتشكل بالتالي الفكرة والفكرة المضادة او الموقف والموقف المناهض لكي يتم الصراع وينمو كل في اتجاه لتحقيق الغاية التي يصبو اليها وتتصارع الارادات حتى تنتصر احداها وهي الموقف المحدد سلفا والذي يركز على حتمية انتصاره بالرغم من كل المواقف وهو بالتالي موقف الكاتب نفسه وان لم يعترف بذلك او حتى ينكر . فاختيار الشخصية لابد وان يضع لها مواصفات خاصة بها نتعرف عليها من خلال سير الاحداث والتي لايمكن ان تكون مفاجئة بما هو غير منسجم او من المستحيل ان يكون من صفات تلك الشخصية لان المواصفات التي تحملها كل شخصية لابد وان تكون منطقية من خلال الحالة التي تمثلها الشخصية . فغاندي رجل قوي اذهل العالم والقوى الاستعمارية الكبرى وانتصر على اكبر الجيوش ولكنه بمواصفات خاصة وبطريقة تختلف عن انتصارات هتلرحيث المعارك العسكرية المتبادلة . فكل له مواصفاته التي يقتنع المشاهد بها والتي تتطابق وبناء الشخصية واتلي تؤهله للوصول الى الهدف وفق هذا البناء المنطقي من سير الاحداث . وهنا تظهر براعة الكاتب وتميزه بحيث انه يعطي لكل شخصية ابعادها من خلال مجموعة التصرفات والتحركات داخل احداثه بحيث لايجعل القاريء او المشاهد فيما بعد ان يتوقف عند حالة متسائلا او مستغربا بل تسير ةفق خط بياني متساوق ومؤهلات تلك الشخصية شكلا وسلوكا . فالرجل الذي اتخذ من التسول مهنة له عرفنا مواصفاته في السن وطبيعة جسمه وعمره وثقافته ثم وضعنا بالمقابل الشخصية و الفكرة المضادة التي يمكن ان يكون لصا ما يراقبه ويقرر سرقته فيقوم بالتقرب منه بوسيلة تتماشى والجو العام للشخصيتين ليجمع عنه المعلومات بالمراقبة والتقصي ليتمكن من سرقته . يشك المتسول بطبيعة تقرب هذا الرجل منه مما يدفع اللص الى الانسحاب والبحث عن طريق اخر وهو ايجاد شريك يقوم بتنفيذ المهمة لصالحه حيث ان المتسول يجمع ما يحصل عليه ويضعه في علبة يخفيها تحت سريره ويتحرى اللص عن مواعيد حركته وعلاقاته ليخطط لعملية السرقة التي يشعر بها المتسول ويقوم من جانبه بالتخطيط للايقاع به ومباغتته . وهكذا تسير الاحداث . وهذه المعالجة البسيطة لفكرة بسيطة يمكن ان يتناولها كل كاتب بطريقته ويتعامل معها وفق الهدف الذي يبغيه لان بناء احداث أي فكرة لا بد وان تخضع لما يأتي :
آ – امكانية التقديم : ليست اية فكرةيمكن ان تعالج بنفس المواصفاتوبالتالي يسهل تقديمها وفق متطلبات انتاجية محددة .على سبيل المثال تناول معركة حربية او معارك او كوارث طبيعية او ما تحتاجه فكرة من الكاتب جهدا ويضيع وقته في معالجة مثل هذه الافكار طالما نه يعلم مسبقا النتيجة ويعرف امكانية توفير متطلبات الانتاج والتي يجب ان تتكامل ليتسنى تحويل الفكرة الى نص درامي ومن ثم شريط تلفزيوني . فامؤثرات الصورية والصوتية والمكياج المعقد او الديكورات الكبيرة المكلفة والحاجة لمجاميع كبيرة وما تحتاجه من اكسسوارات وازياء ومصروفات اخرى من نقل وطعام وسكن وغيرها يمكن ان تكون عائقا في طريق امكانية تناول الفكرة على الاقل في الوقت الراهن او في هذا المكان او عند هذه الجهة الانتاجية .
ب-أولوية التقديم : يمكن ان تتوفر اكثر من فكرة وتكون احداثها وشخصياتها جاهزة عند الكاتب والرؤيا واضحة لتحويلها الى نص درامي ومن الممكن ان تتوفر لها مستلزمات الانتاج السابقة الذكر . ولكن يجب عليه ان يضع في حساباته اولوية التناول حتى وان تشابهت هذه الافكار بالقبول وامكانية تقديمها ولكنها تظل ايها التي نفرض نفسها لكي يبدأ بها .وما عليه الا ان يستجيب لهذا الفرض للفكرة التي يعيش احداثها اكثر من غيرها وتلح عليه في تحويلها الى نص درامي وهي الفكرة التي تهم المجتمع وتكون اكثر ملائمة من غيرها في ظرفي الزمان والمكان .
ج- كيفية التقديم : وهذه هي الخطوة المهمة والمؤرقة للكاتب حيث ان كل فكرة لها كيفية خاصة بها للتناول والتعامل معها لكي تكون بالتالي نصا دراميا ناجحا .فان الشروع بمعالجتها له الحصة الاكبر من التفكير والقلق والارق ايضا . فجريمة قتل على سبيل المثال ، من أي نقطة يمكن ان تبدأ؟ لحظة حدوث الجريمة ، ام بعد القاء القبض على الجاني ؟؟ ام منذ بداية العلاقة بين الجاني والمجني عليه ؟ وهكذا فان الافتراضات واردة من اين تكون البداية ؟؟؟ ومن ثم التفكير في الشكل الذي يتوائم والاحداث المناسبة لتقديم هذه الفكرة ، كوميدية كانت ام تراجيدية . والشخصيات التي تجسد هذا الشكل ونوعية الصراع الذي ينشأمن هذه الاحداث والمحطات التي يتكون منها البناء الدرامي الذي ينسجم وهذه الفكرة وكذلك الخطوط الدرامية التي يتشكل منها . وهكذا فان الكاتب الذي يستطيع ان يؤمن ذلك لتقديم فكرته ويصل بها الى النهاية هو الذي يحقق النجاح المطلوب وبالتالي فان الكثير من الافكار الجميلة والمهمة قد تضيع او تنحرف ولا تؤدي غرضها المطلوب بسبب معالجتها وان جاءت بحرفية عالية واداء متميز والعكس صحيح فكثير من النصوص المتواضعة البناء تقدم فكرة واضحة مؤثرةوذلك لان كاتبها نجح في اختيار الكيفية في معالجتها وتقديمها بما يتناسب والفكرة .
--------------------------------------------
من كتابي ( فن الكتابة ) طبع 2009
الجزء الثالث
فالفكرة هي النواة التي تغلفها الاحداث بشخوصها المتحركة حولها .فاختيار الشخصية الرئيسية تدفع الى اختيار الشخصية المقابلة المناقضة وكل من هذه وتلك لها من يؤيدها او يقف الى جانبها لتتشكل بالتالي الفكرة والفكرة المضادة او الموقف والموقف المناهض لكي يتم الصراع وينمو كل في اتجاه لتحقيق الغاية التي يصبو اليها وتتصارع الارادات حتى تنتصر احداها وهي الموقف المحدد سلفا والذي يركز على حتمية انتصاره بالرغم من كل المواقف وهو بالتالي موقف الكاتب نفسه وان لم يعترف بذلك او حتى ينكر . فاختيار الشخصية لابد وان يضع لها مواصفات خاصة بها نتعرف عليها من خلال سير الاحداث والتي لايمكن ان تكون مفاجئة بما هو غير منسجم او من المستحيل ان يكون من صفات تلك الشخصية لان المواصفات التي تحملها كل شخصية لابد وان تكون منطقية من خلال الحالة التي تمثلها الشخصية . فغاندي رجل قوي اذهل العالم والقوى الاستعمارية الكبرى وانتصر على اكبر الجيوش ولكنه بمواصفات خاصة وبطريقة تختلف عن انتصارات هتلرحيث المعارك العسكرية المتبادلة . فكل له مواصفاته التي يقتنع المشاهد بها والتي تتطابق وبناء الشخصية واتلي تؤهله للوصول الى الهدف وفق هذا البناء المنطقي من سير الاحداث . وهنا تظهر براعة الكاتب وتميزه بحيث انه يعطي لكل شخصية ابعادها من خلال مجموعة التصرفات والتحركات داخل احداثه بحيث لايجعل القاريء او المشاهد فيما بعد ان يتوقف عند حالة متسائلا او مستغربا بل تسير ةفق خط بياني متساوق ومؤهلات تلك الشخصية شكلا وسلوكا . فالرجل الذي اتخذ من التسول مهنة له عرفنا مواصفاته في السن وطبيعة جسمه وعمره وثقافته ثم وضعنا بالمقابل الشخصية و الفكرة المضادة التي يمكن ان يكون لصا ما يراقبه ويقرر سرقته فيقوم بالتقرب منه بوسيلة تتماشى والجو العام للشخصيتين ليجمع عنه المعلومات بالمراقبة والتقصي ليتمكن من سرقته . يشك المتسول بطبيعة تقرب هذا الرجل منه مما يدفع اللص الى الانسحاب والبحث عن طريق اخر وهو ايجاد شريك يقوم بتنفيذ المهمة لصالحه حيث ان المتسول يجمع ما يحصل عليه ويضعه في علبة يخفيها تحت سريره ويتحرى اللص عن مواعيد حركته وعلاقاته ليخطط لعملية السرقة التي يشعر بها المتسول ويقوم من جانبه بالتخطيط للايقاع به ومباغتته . وهكذا تسير الاحداث . وهذه المعالجة البسيطة لفكرة بسيطة يمكن ان يتناولها كل كاتب بطريقته ويتعامل معها وفق الهدف الذي يبغيه لان بناء احداث أي فكرة لا بد وان تخضع لما يأتي :
آ – امكانية التقديم : ليست اية فكرةيمكن ان تعالج بنفس المواصفاتوبالتالي يسهل تقديمها وفق متطلبات انتاجية محددة .على سبيل المثال تناول معركة حربية او معارك او كوارث طبيعية او ما تحتاجه فكرة من الكاتب جهدا ويضيع وقته في معالجة مثل هذه الافكار طالما نه يعلم مسبقا النتيجة ويعرف امكانية توفير متطلبات الانتاج والتي يجب ان تتكامل ليتسنى تحويل الفكرة الى نص درامي ومن ثم شريط تلفزيوني . فامؤثرات الصورية والصوتية والمكياج المعقد او الديكورات الكبيرة المكلفة والحاجة لمجاميع كبيرة وما تحتاجه من اكسسوارات وازياء ومصروفات اخرى من نقل وطعام وسكن وغيرها يمكن ان تكون عائقا في طريق امكانية تناول الفكرة على الاقل في الوقت الراهن او في هذا المكان او عند هذه الجهة الانتاجية .
ب-أولوية التقديم : يمكن ان تتوفر اكثر من فكرة وتكون احداثها وشخصياتها جاهزة عند الكاتب والرؤيا واضحة لتحويلها الى نص درامي ومن الممكن ان تتوفر لها مستلزمات الانتاج السابقة الذكر . ولكن يجب عليه ان يضع في حساباته اولوية التناول حتى وان تشابهت هذه الافكار بالقبول وامكانية تقديمها ولكنها تظل ايها التي نفرض نفسها لكي يبدأ بها .وما عليه الا ان يستجيب لهذا الفرض للفكرة التي يعيش احداثها اكثر من غيرها وتلح عليه في تحويلها الى نص درامي وهي الفكرة التي تهم المجتمع وتكون اكثر ملائمة من غيرها في ظرفي الزمان والمكان .
ج- كيفية التقديم : وهذه هي الخطوة المهمة والمؤرقة للكاتب حيث ان كل فكرة لها كيفية خاصة بها للتناول والتعامل معها لكي تكون بالتالي نصا دراميا ناجحا .فان الشروع بمعالجتها له الحصة الاكبر من التفكير والقلق والارق ايضا . فجريمة قتل على سبيل المثال ، من أي نقطة يمكن ان تبدأ؟ لحظة حدوث الجريمة ، ام بعد القاء القبض على الجاني ؟؟ ام منذ بداية العلاقة بين الجاني والمجني عليه ؟ وهكذا فان الافتراضات واردة من اين تكون البداية ؟؟؟ ومن ثم التفكير في الشكل الذي يتوائم والاحداث المناسبة لتقديم هذه الفكرة ، كوميدية كانت ام تراجيدية . والشخصيات التي تجسد هذا الشكل ونوعية الصراع الذي ينشأمن هذه الاحداث والمحطات التي يتكون منها البناء الدرامي الذي ينسجم وهذه الفكرة وكذلك الخطوط الدرامية التي يتشكل منها . وهكذا فان الكاتب الذي يستطيع ان يؤمن ذلك لتقديم فكرته ويصل بها الى النهاية هو الذي يحقق النجاح المطلوب وبالتالي فان الكثير من الافكار الجميلة والمهمة قد تضيع او تنحرف ولا تؤدي غرضها المطلوب بسبب معالجتها وان جاءت بحرفية عالية واداء متميز والعكس صحيح فكثير من النصوص المتواضعة البناء تقدم فكرة واضحة مؤثرةوذلك لان كاتبها نجح في اختيار الكيفية في معالجتها وتقديمها بما يتناسب والفكرة .
--------------------------------------------
من كتابي ( فن الكتابة ) طبع 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق