الجمعة، 25 أبريل 2014

لحظات .../ مقال ../ السفير يسري القويضي ../ محررة صحيفة فنون ,,,/ الاعلامية ../ ايه جلال .../ مصر ...


لحظات
الخميس, 24 أبريل 2014 12:38
السفير/ يسري القويضي
نظمت الفنانتان د. مرفت شاذلي، وفدوى رمضان معرضاً مشتركاً بجاليري جرانت (إبريل 2014) واختارتا تعبير "لحظات" عنواناً للعرض.
استفسرت من الفنانة مرفت عن القاسم المشترك الذي جمعهما، رغم اختلاف أسلوبهما، فأفادت بأن المناخ العام السائد في الوقت الحاضر، وتعالي نبرة تيار الفردية في الحركة الفنية، كان دافعهما لتوحيد الجهد لتنظيم عرض مشترك يجابه هذا التيار، تعرضان من خلاله تجاربهما في الاختصار والتلخيص.
عرضت الفنانة مرفت شاذلي إنتاجاً جديداً قوامه اثني عشر لوحة، تسير كلها في ذات الاتجاه الذي لمسته من أعمالها بمعارضها السابقة، إذ ركزت على تصوير نفسية ومشاعر المرأة المصرية عموماً، والنوبية بوجه خاص.
لقد طغت البشرة السمراء الدافئة على وجوه نساء لوحاتها، صورتهن بأسلوب واقعي سيريالي، فجمعت الشخوص مع العديد من الرموز - التي أغلبها مخيفة (طيور كاسرة، ثعابين، زواحف، ... إلخ) - في تكوينات لا وجود لها سوى في الأحلام المزعجة.
المفارقة أن الفنانة صورت تلك اللوحات المزعجة بألوان مشرقة مبهجة، فعكست حالة لا تخلو من تفاؤل ما زالت متمسكة به، وقد بدا تكرار تلك الرموز في اللوحات ملحاً، يكشف، ويعبر عن حالة إمرأة تصارع القهر، والتهميش، والانكسار، وواضح أنها حاولت في عرضها الحالي التخفيف من تواجد تلك الرموز المخيفة، فأدخلت رموزاً أخرى لطيفة كالحصان باعتبار ما له من قبول حسن لدى المشاهدين.
الفنانة مرفت شاذلي فنانة انتقائية، أي أنها تتخير الأشياء التي تراها جميلة من كافة المدارس والاتجاهات، فأجد في لوحاتها شيئاً من التأثر بالفنان مارك شاجال وشخوصه الطائرة في أجواء شاعرية، كما ألمس شيئاً من إعجابها بالفنان حامد ندا وطريقة تحويره لشكل الشخوص التي يصورها، وأيضاً أرى بعض الحس المستمد من الإعجاب بأعمال الأخوان وانلي وتصويرهما للأحصنة بالسيرك ... إلخ.
لقد هضمت الفنانة مرفت شاذلي خبرات متنوعة مستمدة من التراث الفني العالمي والمحلي، واستوعبت تلك الخبرات، لتخرج علينا بأسلوب يخصها ويميزها، فلوحاتها تبدو بنكهة مصرية نوبية محببة، تفوح منها رائحة بخور معطر تهب نسائمه علينا من أرض الذهب بجنوب الوادي.
الجديد الذي حاولت الفنانة إبرازه في لوحات معرضها الحالي هو محاولتها تبسيط وتلخيص في الخطوط والمساحات، فأسقطت بعضاً من التفاصيل، كما أضحت لمسات فرشاتها على سطح اللوحة أكثر عفوية، متحررة من أية قيود، ورغم كل ذلك، فتقديري أنها لم تبتعد عن نفس المسار الجميل الذي سلكته من قبل، ولا أعتقد أنها في حاجة لتغييره، ولا يسعني سوى تحيتها، وتشجيعها على مواصلة نشاطها الفني، متمنياً لها التوفيق فيما تسعى إليه.
أما الفنانة فدوى رمضان فقد فاجأتنا في العرض الحالي بأسلوب يغاير تماماً ما عودتنا عليه في أعمالها السابقة، التي كانت تخضع فيها مشاعرها وأحاسيسها لقواعد هندسية منضبطة، فوجدناها الآن تنطلق، تاركة العنان لنفسها بشكل لم نعهده من قبل، وفي اتجاه مختلف.
في السابق بدت لي الفنانة فدوى رمضان، شخصية تميل للهدوء، تنشط فنياً في صمت، دون جلبة أوصخب، لا تجتذبها أضواء الدعاية المبهرة، ربما تواضعاً أو خجلاً، لكني من عرضها الأخير لمست أن وراء هذا الهدوء تتجسد شخصية متمردة، بل ربما عنيفة أحياناً، تفور أفكارها ومشاعرها بداخلها، تنتظر اللحظة المناسبة التي تنفجر فيها للظهور على السطح.
ويبدو أن المناخ الثوري الذي اجتاح مجتمعنا مؤخراً، منح الفنانة الشجاعة لتعبر عن نفسها بعيداً عن قيود الأشكال التجريدية الهندسية - صحيح أن اللوحات الاثني عشر التي تعرضها ما زالت تستند في تكويناتها على نفس الأشكال الهندسية المبسطة كالدائرة والمستطيل ... إلخ، لكنها صورت تلك الأشكال بصورة عفوية طفولية، فذكرتني لوحاتها تلك بأعمال الفنان الفرنسي "Jean Dubuffet جان دوبوفيه" (1901 - 1985) الذي وجد أن الرسوم الفطرية للأطفال، غير الواقعية الممسوخة والمحرفة والمبسطة، تحمل تعبيرات انفعالية قوية صادقة، واعتبر أن هذا النوع من التعبير الطفولي هو غايته وهدفه في الفن، ولذا فبدءاً من عام 1944 جاءت كل لوحاته في صور عفوية طفولية.
السؤال هو ... هل ما قدمته الفنانة فدوى رمضان، في معرضها الأخير، هو بداية لاتجاه جديد؟ أم أن تلك مجرد (لحظات) انفعالية طارئة؟ كما يكشف عنه عنوان العرض ...
تقديري، وربما أكون مخطئاً، أن الفنانة فدوى رمضان نفثت البخار الذي تجمع، وتخلصت من الضغوط التي كانت تموج وتتفاعل بداخلها، نتيجة الظروف المجتمعية غير المستقرة من حولنا، وأعتقد أنها ستعود لسابق حالها، وهدوءها الرصين، وستجعل الأولية للعقل قبل العاطفة، وللتجريد المنظم قبل التعبير المنطلق، أي أنها ستعلي القواعد التجريدية والهندسية وستضعها حاكمة مسيطرة من جديد على أعمالها الفنية.
إن تجربة الفنانة فدوى رمضان جديرة بالمشاهدة والمتابعة، إنها ألقت - بدون مقدمات - بحجر في بحيرة ساكنة، فحركت مياه راكدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق