شارع المتنبي وبهو الضباط
يبدو ان الأمر قد تجاوز وهج الثقافة الى نوع من تشكيل الحياة, ربما هذا يفسر الكم الهائل من الذين أدمنوا على الحضور الى جمعة المتنبي ,فليس من المعقول ان هؤلاء كلهم من محبي الحياة الثقافية والا اين كانوا كل هذه السنوات عندما كنا المتنبي فارغا الا من بائعي الكتب وبعض المدمنين على الكتابة والقراءة ,لماذا في هذا الوقت يكتظ السوق بكل اصناف الناس, الذين امتلأت رؤوسهم بالكتب والذين لم يقرأوا في حياتهم سوى المناهج المدرسية ,الأمر لايتعلق برغبة هؤلاء بالتقرب الى شخصيات ثقافية, كانوا واقفين دائما ولايجد احدا لذة ما بالتقرب منهم, وليس هذا السوق مكانا مناسبا للهو العائلي ولاللقاءات الخاصة ,اما الحركات السياسية التي تنشط الأن في القشلة فهذا امر طبيعي على اعتبار شارع الرشيد ومتنبيه كان شاهدا على كل الأحداث السياسية في تاريخ العراق المعاصر وكان امرا متوقعا ان يسترد هذا الدور بعد سقوط الدكتاتورية رغم ان هذه الحركات السياسية لاتشكل سوى جزء بسيط من حركة الشارع بقشلته ومركزه الثقافي .
هناك شئ لايمكننا تفسيره يجذب هؤلاء الناس الى هذا الشارع .
الشئ المزعج ان عدد ليس قليلا من الأسماء المعروفة في الوسط الثقافي والتي اعتادت على الحضور الى هذا الشارع في كل وقت ومع كل الضروف بدأوا يرفضون هذا التواجد ويعتبرونه نوع من الفوضى الثقافية التي سيختلط فيها الحابل بالنابل .
هذه النرجسية التي اعتدنا عليها من قبل المثقف العراقي والتي تجعله ينعزل دائما في بهو خاص يشبه الى حد كبير بهو الضباط الذي لايدخله الجنود والمراتب ولايسمح الا من تستقر النجوم على كتفه بالدخول الى هذا البهو وتناول وجبات الطعام ,
الأن اجتاح الجنود هذا البهو ,ولم يعد الضباط قادرين على اصدار اوامرهم بطرد هؤلاء الجنود الذين انتبهوا اخيرا ان هناك عالما اخرا خلف ابواب هذا البهو..
رفض هؤلاء والتصريح بهذا الرفض لن يغير من الأمر شيئا فالذين ذاقوا طعم الجمال لايمكنهم مفارقة هذه اللذة ....
ابتسموا بوجوههم فربما هؤلاء يصنعون لنا شارعا اخرا يضم الجميع وينطلق بالجميع نحو مكامن الجمال...ابتسموا بوجوههم ,هم يبحثون عن الحياة المفقودة في شوارع المدينة والتي يرونوها بوجوهكم...انتم الأن مصدر للحياة ربما لاتعون ذلك ولكن القدر جعلكم في هذا المنصب وليس خياركم القيام بهذا الدور..فالمسرحية ستسمر والممثلون سيقومون بأدوارهم على عكس قناعاتكم بأدائهم لهذه الأدوار...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق